You are currently viewing توقف عن لعب دور الضحية وكن مسئولاً عن حياتك

توقف عن لعب دور الضحية وكن مسئولاً عن حياتك

توقف عن هذه العادات قبل أن تُفسد حياتك
العادة الثانية ~ (توقف عن لعب دور الضحية وكن مسئولاً عن حياتك)
من وحي جلسات العلاج النفسي

هل تشعر دائماً بالعجز وأنك غير قادر على إدارة أمور حياتك؟
– هل تعتقد أن الحظ، أو الصدفة أو القدر، أو حتى أشخاص آخرون أكثر منك قوة أو سلطة هم المتحكمون الحقيقيون في مجريات حياتك، وأنك غير قادر على تغيير ذلك؟
– هل تلقي باللوم على الآخرين باستمرار وتعتبرهم السبب الحقيقي لما تعيشه من بؤس وشقاء؟
– هل تشعر من وقت إلى آخر أن العالم كله ضدك وأنك مهما فعلت فأن الأمور لن تسير على ما يرام؟
– هل تعتقد أنك “طيب، حنون، لطيف، هادئ، مُضحي، محب للجميع،… إلى آخره من الصفات الرائعة وأنه لا أحد يقدر ذلك مطلقاً مهما فعلت؟!…

إذا كانت الإجابة بـ “نعم” عن كل أو بعض التساؤلات السابقة، إذاً فهذا المقال قد كُتب خصيصاً لك، وسيكون عليك أن تقف مع نفسك الآن وقفة صدق، وأن تتوقف عن لعب دور الضحية تماماً ونهائياً مُنذ هذه اللحظة، وأن تُدرك أن العالم لا يقف ضدك وأن تبدأ في تحمل المسئولية عما يحدث لك من أحداث دون البحث عن “شماعات” لتعلق عليها أخطاء الماضي والحاضر. تأمل معي المشاهد التالية لعل أحدها يُطابق واقعك فتعيد تقييم رؤيتك للأمور، وأعتذر مُسبقاً عن اية مشاعر سلبية قد تعتريك نتيجة لقراءة هذا المقال.

المشهد الأول:
(ع) شاب يبلغ من العمر (31) عاماً، أعزب، يعمل بوظيفة مرموقة، يبدو عليه يسر الحال، ترك له والده المتوفي ميراثاً كبيراً من الأموال السائلة والعقارات والعقد النفسية أيضاً.

-(ع): أنا مش عارف هو عمل فيا كده ليه؟ دمرني، أنا بقيت مشوه نفسياً، ماليش أصحاب، محدش بيحبني ولا عارف أحب حد، أنا ماشوفتش منه إلا كل قسوة وغل، كنت بترعب من صوته، وبكره شكله، كنت بتمنى أقتله بس مات لوحده، مات وسابني أتعذب لوحدي، بكرهه وبكره نفسي وبكره كل حاجة حواليا.

-المعالجة: بس بابا مات يا (ع) من 15 سنة! “البعبع” اللي كان في حياتك أختفى، “السجًان” سابلك مفتاح القفص، بقيت حر نفسك والمتحكم الأول في حياتك.. ومع ذلك لسه ساجن نفسك بنفسك ومحتفظ بـ”البعبع” جواك!

-(ع): يا سلاااااااام ، بالسهولة دي؟، بالبساطة دي؟، وأنا مين يعوضني عن كل اللي حصل معايا؟ مين يعوضني عن كل اللي اتكسر فيا؟، مين يعوضني عن الأصحاب اللي مش موجودين؟ أنا لحد دلوقتي مش عارف أحب، مفيش واحدة في حياتي.. أنا ميت وهو السبب.. مين هيعوضني؟!

-المعالجة: مين من وجهة نظرك؟

-(ع): هو طبعاً، هو المسئول.

-المعالجة: بس هو مات .. راح .. أختفى .. أنت اللي موجود، وعايش، ومسئول.. يبقى انهي الأسهل ومين اللي يقدر يحل .. اللي عايش ولا اللي مات؟!

-(ع) بغضب: يطلع من التربة و يتصرف في البلاوي اللي عملها فيا، يطلع يكلمني يقولي عمل فيا كده ليه؟ يطلع يربيني من أول وجديد، ثم مين قال اني عايش؟، مين قال اني مسئول؟، مين قال اني اقدر؟

…….

المشهد الثاني:
(ل) زوجة تبلغ من العمر 45 عاماً، ربة منزل، حاصلة على دبلوم تجارة، متزوجة منذ 25 عاماً من طبيب مرموق، ولديها 3 أبناء (2ذكور – 1 انثى) جميعهم في المرحلة الجامعية، تزوج الزوج بأخرى فحضرت (ل) للعيادة النفسية مصابة بالإكتئاب …

-(ل) في نوبة بكاء شديدة : ازاي اتجوز عليا بعد كل السنين دي؟ أنا لغيت نفسي علشانه.. اقعدي في البيت “حاضر”، قاطعي أهلك وأخواتك وكل الناس “حاضر”، دايماً كان يحسسني من أول ما اتجوزنا اني اقل منه وكنت بفوت وأعدي وأقول لنفسي هو “الدكتور” وانتي مش هتفهمي زيه!، يتريق على تربيتي للأولاد وأقول هو بيفهم أكتر مني، يعايرني بأصلي المتواضع وأبويا العامل البسيط وأقول عنده حق دكتور ابن دكتور وأنا اهلي على قدهم مايشرفوش، بقى هو كل حياتي، وبعدين يسيبني ويتجوز واحدة تانية، دكتورة زيه، تسافر معاه المؤتمرات، وتحضر معاه الحفلات، ويظهر بيها قصاد الناس، وقال ايه علشان مكسوف يظهر بيا، دلوقتي مكسوف، بعد 25 سنة استحملت ظروف صعبة معاه وعلشانه، ربيتله ولاده احسن تربية، حافظت على بيته وشرفه ورضيت بقليلي، ولما كبر اتكبر عليا .. ليه؟!

-المعالجة: بس كلامك بيقول انه من اول لحظة كان كده، طول ال25سنة مش دلوقتي بس، تفتكري هو ظلمك ولا أنتي ظلمتي نفسك؟

-(ل) : لأ طبعاً هو اللي ظلمني، هو اللي اذاني، انا كان في ايدي ايه اعمله؟، أنا ست مسكينة، أطلب الطلاق من اول سنة في مجتمع مابيرحمش؟، كان لازم استحمل، واضحي، انا ضحيت كتير اوي، وخسرت كتير أوي، أنا ضحيته وضحية انانيته وغروره وطموحه، أنا ضحية للمجتمع اللي بيجي على الست، ضحية ابويا اللي ماشرفنيش قدام عيلة جوزي، وضحية ولادي اللي بيلوموني دلوقتي على كل اللي حصل واللي لسه بيحصل، وأنا مش قادره استحمل ولا اضحي اكتر من كده، تعبت خلاص.

……

المشهد الثالث :
(م) محاسب يبلغ من العمر (50) عاماً، يعاني من اضطرابات في الحياة الأسرية، والمهنية، والإجتماعية، وخلل شديد في العلاقات مع المحيطين به، حضر إلى العيادة يشكو من الإكتئاب وتظهر عليه سمات الشخصية الوسواسية، لا يعترف بخطأه مطلقاً، ولديه قدرة على تحويل النقاش إلى جدل لا طائل منه …

-(م) : أنا تعبت من كل حاجة حواليا، محدش فاهمني، كل حاجة في الدنيا بقت غلط، الناس بقت بتكره الصح، الناس اللي بتمشي مظبوط بقى يتقال عليها ناس معقدة، الدنيا اتقلب حالها ولا ايه؟
-المعالجة: طيب خلينا نتكلم بوضوح أكتر، ونكون محددين اكتر، ممكن تقولي أمثلة واضحة؟

-(م) : الأمثلة كتير، في الشغل كل واحد عامل نفسه فاهم ومحدش فاهم حاجة، ومحدش بيسمع الكلام، وفي الآخر يجيبوا الغلط عليا، بيقولوا اني بعمل اللي في دماغي… في البيت محدش عايز يمشي صح، بيكسروا النظام وقواعد البيت اللي أنا محددها، وبيزعلوا بعد كده لما بتعصب ويقولوا اني بزودها، مش قادرين يشوفوا انهم غلط، الناس بقت غريبة، محدش بيسمع النصيحة، مع اني ببقى عايز مصلحتهم، بيزعلوا ليه ماعرفش؟!

-المعالجة: طيب ليه افترضت انك انت الصح والباقين حواليك غلط، مش يمكن تكون انت غلطان؟

-(م) : ممكن، بس لأ ماعتقدش.. أنا ببقى عارف الحقيقة، عارف الصح، صحيح ساعات مابعملوش بس كفاية اني عارفه، لازم يبقى فيه منهج نمشي عليه، قواعد، تعليمات واضحة ننفذها، مش كل واحد بدماغه كده، ده غلط، وبعدين انا اكبر منك على فكرة وأعرف الصح والغلط أكتر منك مع احترامي للي درستيه.

………..

سأكتفي بهذه المشاهد الثلاثة حفاظاً على وقت القارئ، وإن كانت ذاكرة العلاج النفسي تذخر بالعديد من المشاهد الواقعية لأشخاص لعبوا دور الضحية بكفاءة، واستدمجوا هذا الدور داخلهم وصدقوه، لم يعد لديهم أدنى شك في أنهم مقهورون ومظلومون في هذه الحياة القاسية غير العادلة، يرفضون بشدة فكرة انهم مسئولون عما حدث ويحدث وسيحدث لهم، حتى وإن كان العالم قاسٍ فعلاً، والمحيطين بهم غاية في السوء – ونحن لا ننكر ذلك – إلا أنهم رغم كل ذلك مسئولون بقدر ما عما يعانون منه، بل وأحياناً السبب الرئيسي للمعاناة.

قد تكون بالفعل ضحية لأبٍ قاس، أو أم متسلطة، أو حياة زوجية غير مستقرة، أو مكائد العمل وصعوبات الحياة، قد يكون كل ذلك حقيقياً وأكثر بكثير ولكنه لا ينفي مسئوليك منذ بلوغك سن الرشد عن مجريات حياتك، لا يمكنك أن تستمر في لوم الآخرين على كل الأمور التي لا تسير على هواك، أنت لست “مفعولاً به” في هذه الحياة، بل شخص ناضج، عاقل، مسئول، و”فاعل”. إنها الحقيقة التي ينبغي لك أن تعترف بها شئت أم أبيت.

ليس من المنطقي أن تظل أسيراً لواقع قد انتهى منذ عشرات الأعوام، أصبحت ناضجاً الآن، لم يعد طبيعياً أن تمُسك بعباءة والدك “المتوفي” وتمزقها غضباً وحنقاً، وتلومه على اساءته لك في الصغر وقد تخطيت الآن الثلاثون من عمرك.

ليس طبيعياً أن تُلقي باللوم على زوج أخبرك بكل تصرفاته منذ اللحظة الأولى أنه اناني ولا يعنيه سوى نفسه، وقد ارتضيتي هذا الوضع ولم تستخدمي حقك المشروع في الرفض، بكامل وعيك وإرادتك كان قرار الاستمرار في علاقة مشوهة، تحملي نصيبك من المسئولية عن نتائج هذا القرار الآن بشجاعة وقوة، وفكري في ما يجب أن يحدث بدلاً من البكاء على الأطلال، فلن يفيد البكاء على اللبن المسكوب، فلننظر اولاً كيف سننظف هذه الفوضى.

لا تعتقد أن العالم يقف ضدك، في الواقع إن العالم لا يعنيه أمرك يا صديقي، حاول ان تتقبل هذه الحقيقة، وتعمل على تصحيح اخطاءك، وتنقية علاقاتك من الشوائب التي علقت بها نتيجة لجمودك الفكري وتبنيك الدائم لدور الضحية، أنت لست ضحية لأحد، وإن كنت حقاً فبالتأكيد ستكون ضحية نفسك ولا أحد غيرك.

أعتذر مجدداً عن قسوة المقال، فبالتأكيد ليس الهدف منه أن اهاجم أحد، ولا يعني ابداً انني لا اشعر بألمك وحزنك حين تروي مأساتك، ولكني اريدك أن تنظر للحقيقة وتقر بالواقع وتتحمل جزءاً من المسئولية عما يحدث لك، وتدرك أنه لن يكون بمقدور أحد مساعدتك لو لم تساعد أنت نفسك أولاً. لن يغير أحد حياتك وانت جالساً في مكانك لا تحرك ساكناً، أنت فقط تستطيع أن تفعل ذلك ولا أحد غيرك، ولن يكون بمقدورك أن تدخل آلة الزمن وتعود للماضي لتغير ما وقع بالفعل من أحداث مأساوية، هذا الأمر غير متاحاً للبشرية –على الأقل حتى الآن- وبالتالي لن يفدك شيئاً أن تظل مسجوناً في الماضي، بين طفولة مشوهة، وعلاقات مريضة، ومواقف مؤلمة. تعلم من التجارب مهما كانت قسوتها، ثم دعها تمر بكل ما تحمله من ألم ومعاناة، وأنظر للمستقبل بتفاؤل وثقة، وقل لنفسك إنك ما زلت قادراً على تغيير الأوضاع للأفضل وتصحيح المسار وتحقيق مكاسب مهما كان سجلك مليئاً بالخسائر والأخطاء.

مع حبي،
سلمى