You are currently viewing توقف عن أخذ الأمور على محمل شخصي

توقف عن أخذ الأمور على محمل شخصي

توقف عن هذه العادات قبل أن تفسد حياتك
العادة الأولى (توقف عن أخذ الأمور على محمل شخصي)
من وحي جلسات العلاج النفسي

جلس الشاب الثلاثيني أمامي في غرفة العلاج وقد بدا غاضباً ومتوتراً للغاية، بدأ يتحدث عن مديره في العمل قائلاً “هو كل شوية يهاجمني، مفيش حاجة فيا عجباه، دايماً يقولي شغلك غلط، أنا تعبت وبفكر أسيب الشغل”، عقبت على جملته الأخيرة “ولكنه مش بيهاجمك أنت، هو بيقولك ملاحظاته على شغلك، ليه أخدت الموضوع بشكل شخصي؟” فأجاب “وأنا ايه وشغلي ايه ما احنا واحد”!.

خلال عملي في مجال الإرشاد والعلاج النفسي لأكثر من 15 عاماً وجدت أن أحد أكبر المشكلات التي تواجه البعض هي أنهم يأخذون كل شيء على محمل شخصي، فسواء كان الأمر متعلقاً بالعمل أو بالعلاقات الشخصية أو الاجتماعية أو حتى العلاقات الحميمة فأن المشكلات تبدأ في الظهور والتفاقم حينما يرجع الفرد كل شيء إلى نفسه ويبدأ في أخذ الأمور على محمل شخصي أكثر من اللازم ودون أن يتطلب الأمر ذلك. حتى أنا عندما بدأت مسيرتي المهنية كنت شديدة الحساسية تجاه انتقادات بعض العملاء كأن يقول ليً احدهم أن ما اتبعته معه من أساليب لم يحقق النتيجة المرجوة، أو أنني لم أستطيع إيجاد حلول مناسبة لمشكلته، كنت اعتقد ان الأمر راجعاً فقط إلى مهارتي كمعالج، وتناسيت ان ثمة شريك أساسي ومؤثر في تطور العملية العلاجية وهو العميل نفسه، احتاج الأمر إلى كثير من الوقت والخبرة لأدرك أن العميل قد يكون غير راغباً في العلاج بصورة حقيقية، وقد يكون متمسكاً بالدور المرضي لأنه يحقق له مكاسب كثيرة سيفقدها بالتخلي عن هذا الدور إذا تحقق له الشفاء، أو أنه يريد القاء الاتهامات على أحد ليحمله مسئولية فشله ويسقط عليه جام غضبه وعدوانه، أو قد يكون سلوكه هذا تجاهي راجعاً ببساطة شديدة إلى الحالة التي يعاني منها وهو ما يتطلب مني التفهم والتعاطف

إن الأشخاص الذين يأخذون كل شيء على محمل شخصي يرجعون إلى انفسهم كل الأمور الإيجابية والسلبية على حداً سواء، ولكن اغلبنا لا يشعر بمشكلة مع الأمور الإيجابية التي يرجعها إلى نفسه انما تظهر مشاكلة حين تحدث المواقف السلبية وتنغص عليه يومه وحياته، فعلى الرغم من انه من الجيد أن تعتقد ان كل الأشياء الرائعة التي تحدث لك ترجع إلى كونك رائعاً بالأساس، ولكن عليك أن تنتبه أن الثمن الذي ستدفعه باهظاً حيث ستصبح مضطراً إلى عزو الأمور السيئة إلى نفسك أيضاً وهو ما يجعلك تشعر بالسوء حيال نفسك، وكنتيجة لذلك فإنك تفقد تقديرك الموضوعي لذاتك والذي يصبح بدوره متقلباً تبعاً للمواقف، فكلما حدث أمر جيد تشعر انك شخص مذهل ورائع، وفي المقابل عندما تحدث الأشياء السيئة تعتقد انك مسئول عنها مسئوليه تامة ومن ثم ينخفض تقديرك لنفسك أو تشعر انك مطالب بالدفاع عن نفسك طوال الوقت وهو الأمر الذي سيزيد من حدة الصراعات الداخلية (بينك وبين نفسك) والخارجية (بينك وبين الآخرين)

وتتعدد الأمثلة التي يصبح فيها “أخذ الأمور على محمل شخصي” هو القشة التي قصمت ظهر البعير، كالطفل الذي يخبره والده العائد للتو من عمله مرهقاً بأنه طفل مزعج وسخيف فيعتقد في قراره نفسه انه كذلك بالفعل في حين ان الأمر لا علاقه له بسلوكه إنما بعودة والده غاضباً في ذلك اليوم، كذلك المراهقة التي أصبحت تكره الذهاب إلى المدرسة لأن المدرس يخبرها انها غبية وبليدة الفكر والمشاعر، فتصدق ذلك وهو ما ينعكس على حالتها النفسية ومن ثم على تركيزها وتحصيلها الأكاديمي دون أن تنتبه أنه يفعل ذلك ليجبرها على أخذ دروس خصوصية في مجموعته، أو الزوجة التي يهاجمها زوجها باستمرار باعتبارها السبب الأول والوحيد لكل المشكلات التي يعاني منها ابناءه، فتسقط في براثن الاكتئاب دون أن تعي انه يسُقط عليها تقصيره وضعف اداءه الأبوي، والأمثلة كثيرة قد تملأ مجلدات

فما السبب وراء اكتسابنا لتلك العادة التي تسبب لنا الكثير من المشكلات؟

إن الأمر يرجع إلى مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تتكون لدينا قناعة أن العالم يدور من حولنا، وقد أكد العالم السويسري “جان بياجيه” – وهو أحد الرواد في علم نفس النمو – أن الطفل الصغير يعتقد أن الكبار من حوله يرون ما يراه، ويدركون الأشياء وفقاً لإدراكه، ولا يدرك في هذه المرحلة من عمره أن الآخرون – أي الكبار- يرون الأمور بطريقة مختلفة تماماً وأكثر شمولية. لذا يرتبط جزء أساسي من نمونا العقلي والنفسي بالتوقف عن الاعتقاد بأننا مركز الكون، وبقدرتنا على الاعتراف بأن الأخرين قد تكون لهم وجهة نظر مختلفة تماماً عن وجهة نظرنا، ومن ثم علينا أن ندرك أن ما نراه ليس بالضرورة هو ما يراه الآخرون، ويحتاج اكتساب هذه المهارة الكثير من الوقت والتجارب الحياتية حتى يتكون لدينا الوعي الشخصي بأن ما يحدث من حولنا – حتى وإن كان له علاقة مباشرة بنا – لا يعني مطلقاً ان الأمر يتعلق بنا أو بشيء فعلناه أو كان يجب أن نفعله، بل قد يكون الأمر راجعاً إلى الآخر أو إلى الموقف الذي علينا أن نفصل أنفسنا عنه لنستطيع تقييم الأمر بشكل محايد وموضوعي.

ماذا لو أخبرك مديرك في العمل أنه غير راضٍ عن ادائك؟

عليك أولاً أن تستبعد فكرة انه يقصد اهانتك بشكل شخصي، هو لا يعني بذلك كونك غير كفء، ربما كان هناك شيء تفعله يجعله غير راضٍ عن ادائك المهني، تحدث معه ببساطة واسأله عما يزعجه، أطلب منه توجيهك إلى الطريقة المناسبة لإنجاز العمل من وجه نظره، حاول تقييم مهاراتك المهنية بشكل محايد وموضوعي لتقف على نقاط القوة لتنميها ونقاط الضعف لتعالجها، وربما يكون الأمر في مُجمله لا علاقة له بقدراتك المهنية ويكون مديرك منزعجاً من شيء آخر ذلك اليوم جعله يسقط مشاعره السلبية لا شعورياً على العاملين معه وسينتهي الموقف عند ذلك الحد، إن النظر للأمر من هذه الزاوية سيجعل الأمور أقل تعقيداً بكل تأكيد

إن ما فعلناه مع المثال السابق ينطبق على كافة الأمثلة المرتبطة بالخبرات المشابهة، فالأمور الإيجابية والسلبية التي تحدث لنا يومياً لا ترتبط بنا بشكل مباشر، حتى وإن كنًا جزءاً منها، فعندما يُثني عليك شخص ما أو ينتقدك قد لا يكون ذلك راجعاً لك بالأساس، بل هو أمر يرتبط بشكل وثيق بالطريقة التي ينظر بها هذا الشخص للأمور، وبقيمه، ومعتقداته، واتجاهاته، ومشاعره. وبالمثل فأنك عندما تفشل في أمر ما لا يعني ذلك انك شخص فاشل وعديم القيمة بل يعني ببساطة اننا كبشر نفشل احياناً من وقت إلى آخر في أداء بعض المهام دون أن ينتقص ذلك من قيمتنا ولا ينبغي أن يؤثر على تقديرنا لذاتنا واحترامنا لها

واليك بعض النقاط الهامة التي ستساعدك على التخلص من هذه العادة المزعجة
** عليك أن تدرك أن وقاحة الآخرين معك لا علاقة لها بك أو بما فعلته بل هو أمر يتعلق بسلوكهم الشخصي، فعندما يعاملك شخص ما بوقاحة فأن ذلك قد يكون لأنه يمر بيوم سيء، أو ظروف صعبة، وقد يكون ذلك راجعاً لسوء خلقه وعدم تهذيبه، وفي كل الأحوال فأنه ليس خطأك، لأن التعامل مع الآخرين بوقاحة هو أمر غير مقبول مهما كانت الأسباب

** اسأل نفسك أولاً “ماذا يعني ذلك التعليق أو السلوك الذي صدر من الآخر تجاهك؟”، حاول أن تجيب عن هذا التساؤل بموضوعية، على سبيل المثال: إذا لم يبتسم لك شخص أو يلق التحية، فقد يعني ذلك أنه مصاب الخجل الاجتماعي، أو ربما كان شارداً ولم يراك، و قد يكون حزيناً وغير قادر على الابتسام أو التواصل معك، كلها أشياء ستجعلك تفكر كثيراً قبل أن تتخذ موقف هجومي أو دفاعي تجاه شخص ما

** حاول أن تأخذ التعليقات أو الانتقادات المزعجة بطريقة بناءه، اسأل نفسك هل ما قاله لك الآخر حقيقياً أم لا؟، وماذا يمكن أن تتعلم من ذلك النقد؟، هل يمكن أن تطور من نفسك بناء على ذلك التعليق؟. ادرك ان ذلك التقييم الموضوعي يصبح أمراً صعباً حينما يكون النقد لاذعاً، ولكنك على الأقل ستكون قد خرجت بشيء إيجابي من هذه التجربة السيئة

** حاول أن تضع نفسك مكان الآخر وتخيل كيف ستكون رؤيتك، ربما تبادل الأدوار سيجعلك تغير وجة نظرك في العديد من الأشياء حين ترى الأمور بمنظور آخر

** توقف عن القلق حول ما يعتقده الآخرون عنك، عليك أن تُدرك انه ليس بإمكانك إرضاء الجميع مهما فعلت، فليس المهم من أنت أو ما تفعل، فسوف يكون هناك دائماً بعض الأشخاص الذين لا يحبونك ويداومون على انتقادك، أنت لا يمكنك تغيير الأخرين، أو التحكم فيهم، أو في الظروف من حولك، وكل ما يمكن القيام به هو أن تكون نفسك وأن تبدأ التحكم في أفكارك ومعتقداتك حول هذه الظروف أو هؤلاء الأشخاص.

** عليك أن تدرك أنك أنت من تحدد قيمتك الذاتية، وليس الآخرون من حولك، فتقدير الذات يعتمد على ما تعتقده أنت عن نفسك وليس ما يقوله عنك الأخرون، ومن ثم عليك أن تؤمن انك تستحق الأفضل في كل شيء، وأن تدعم ثقتك بنفسك.

** تخلى عن رغبتك المحمومة في البحث عن الكمال، فالكمال لله وحده، أما نحن كبشر فلا بأس أن نخطيء أو نعاني من عيوب أو نقائص، إن ذلك جزء من تكويننا البشري، ومما لا شك فيه انك لن تتعلم أو تصل إلى مرحلة النضج التي تنشدها دون أن تخطي مراراً وتكراراً وتتعلم من اخطائك.

** تحدث عن مشاعرك السلبية مع شخص مقرب لك، سيكون لذلك عظيم الأثر على تهدئة نفسك، وستتمكنا معاً من إدراك الأمور وتحليلها بشكل اعمق، ربما تختلف رؤيتك للموقف ككل بعد تلك المناقشة الهادئة البناءة، أو على أقل تقدير ستتمكن من تفريغ انفعالاتك الغاضبة تجاه المواقف أو الأشخاص ومن ثم تستعيد توازنك وهدوئك.

أخيراً، إذا لم تستطيع تخطي تلك المشكلة، أو شعرت أنها تسبب لك الكثير من القلق أو الضغط النفسي، سيكون عليك أن تسعى للحصول على مساعدة متخصصة لتعيد اكتشاف نفسك، وقدراتك، وتتمكن من استعادة ثقتك بنفسك مجدداً. إن الأمر يتطلب وقت، وجهد، ومثابرة حتى تتمكن من التوقف عن أخذ الأمور على محمل شخصي، خاصة إذا كنت معتاداً على هذا النسق من التفكير لفترة طويلة من حياتك، ومع ذلك فأن الراحة التي ستحصل عليها بالتوقف عن هذه العادة السيئة تستحق منك أن تبذل هذا الجهد.

وللحديث بقية … مع حبي،

سلمى